بريطانيا وعودة الاغلاق الشامل وتأثيره على الاسترليني

تداعيات الموجة الثانية لفيروس كورونا وتأثيرها على الإسترليني
سوف نتحدث في هذا المقال عن تداعيات إجراءات الاغلاق الشامل التي اتخذتها المملكة المتحدة لكبح جماح الموجة الثانية لفيروس كورونا وإلى أي مدى تأثر الإسترليني بتلك الإجراءات.
بداية، يتعرض الإسترليني لضغوط كبيرة منذ بداية الموجة الثانية لفيروس كورونا، مع العلم أن تلك الضغوط تزداد كلما ارتفعت حالات الإصابة بفيروس كورونا. فمن جانبها فرضت السلطات الإنجليزية العديد من قيود الاغلاق الشامل في جميع أنحاء البلاد. حيث خضعت ليفربول وساوث يوركشاير ولانكشاير ومانشستر الكبرى بالفعل لقيود مشددة (المستوى الثالث) للحد من تفشي الوباء. وبحلول نهاية الأسبوع؛ من المتوقع أن تُفرض القيود ذاتها على مقاطعات مثل نوتنغهام وبعض المناطق في نوتنجهامشاير.
في غضون ذلك، أعلنت اسكتلندا مؤخرًا أنها سوف تتبع نظاما يتكون من 5 مستويات من القيود، على أن يتم تطبيقه اعتبارا من 2 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وحاليا قضت إيرلندا الشمالية أسبوعها الثاني من أربعة أسابيع طويلة تفرضها للحد من تفشي الفيروس.
في حين تواجه حكومة بوريس جونسون ضغوطًا شديدة لفرض قيود الاغلاق الشامل؛ لاسيما مع تزايد التوقعات بأن الموجة الثانية من الفيروس قد تكون أشد فتكا من الموجة الأولى وقد تستمر لفترة أطول قد تصل إلى شهر تقريبًا.
وبحسب تصريح العديد من الخبراء، فإن الموجة الثانية قد تكون أقل حدة من الموجة الأولى، لكنها سوف تدوم فترة أطول، قد تستغرق فصل الشتاء بأكمله. وباتت الحكومة البريطانية تحت ضغط شديد، خاصة وأن المملكة المتحدة سجلت أرقاما كبيرة في معدل الوفيات خلال الموجة الأولى من تفشي فيروس كورونا.
جدير بالذكر أن تزايد المخاوف بشأن تلقي الاقتصاد البريطاني ضربة “قاسمة” نتيجة تطبيق قيود الاغلاق الشامل، يثير القلق ليس فقط بالنسبة لأسواق العملات بل أيضا لأسواق الأسهم. فالتوقعات المستقبلية للعديد من المؤشرات لا تبشر بخير.
كيف واجه الإسترليني الموجة الأولى؟
نحن هنا نتكلم عن المخاوف فقط- يكفي أن تعلم أنه قبيل الإعلان عن تطبيق القيود المفروضة للحد من تفشي فيروس كورونا، خسر سوق الأسهم البريطاني نحو أكثر من 50 مليار جنيه إسترليني في أيلول/سبتمبر. كما واجهت الأسواق الأوروبية والأمريكية المصير ذاته، حيث تلقت شركات الطيران ومجموعات الفنادق وشركات السفر ضربة “قاسمة” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وفي حال تضرر الاقتصاد البريطاني بشدة نتيجة فرض قيود الاغلاق الشامل؛ فلا شك أن الإسترليني سوف يتأثر سلبا هو الأخر. فحيمنا تراجعت الأسهم البريطانية بنحو أكثر من 50 مليار جنيه إسترليني، تراجع الإسترليني أيضا أمام الدولار واليورو. وهبط بنحو 1٪ ليسجل 1.2790 دولار و 0.4٪ إلى 1.0897 يورو على التوالي.
ومن المحتمل أن يواجه الإسترليني صعوبات وقيود كبيرة، لا سميا مع فرض قيود الاغلاق الشامل الجديدة. فعندما بلغت مخاوف المتداولين ذروتها في آذار/مارس الماضي، تراجع الإسترليني ملامسا أدنى مستوى له أمام الدولار منذ عام 1985. وتداول دون مستويات 1.06 يورو أمام اليورو، وهو أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية 2008.
السيناريو الأقرب للحدوث؟
بدأت رحلة تراجع الإسترليني في سبتمبر الماضي، عندما اقترح العلماء البارزون في المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ SAGE and SPI-M تطبيق إغلاقا وطنيًا قد يتزامن مع نصف الفصل الدراسي في أكتوبر. حيث سجل الإسترليني أمام الدولار مستويات 0.8٪ ملامسا 1.2979 دولار و0.01٪ مقابل اليورو ليهبط إلى 1.0955 يورو.
وبعد أسبوعين، استطاع الإسترليني الارتداد لأعلى ملامسا مستويات 1.2486 دولار. لكن من المحتمل أن يكون هذا الصعود بسبب تراجع الدولار ذاته، وتأثره السلبي بالمخاطر التي تحيط بالموجة الثانية لفيروس كورونا.
ويعتقد الخبراء أن أداء الإسترليني جيدًا إلى حد كبير؛ لا سيما وأن تطبيق قواعد الإغلاق يتزامن مع تجدد آمال التوصل إلى اتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أيضا، من المتوقع أن يستمر تطبيق إجراءات فرض قيود الاغلاق الشامل بالمملكة المتحدة لفترة طويلة؛ ما يعني استمرار تأثر الإسترليني خلال تلك الفترة، نتيجة الضغط الشديد على الاقتصاد البريطاني. ويدلل على ذلك، تراجع الإسترليني بالفعل عقب توارد أنباء بشأن تطبيق إغلاق أخر، رغم تزايد الآمال وحالة التفاؤل التي تحيط بالإسترليني وقدرته على تخطى تلك المخاوف “في الوقت الراهن”. لكن لا يمكن التسليم “التام” بأن الإسترليني لديه القدرة على الاستمرار والمواجهة لفترة أطول.
نوفر للمتداولين مزايا الاطلاع على التقويم الاقتصادي، والحصول على الأخبار الرئيسية الهامة الأخرى المتاحة على موقعنا الإلكتروني. أنقر هنا لمعرفة المزيد حول الخدمات التي نوفرها للمتداولين والاستفادة من المزايا الأخرى.
إليك بعض العوامل التي قد تؤثر على مسار الإسترليني:
- المملكة المتحدة لديها عجز تجاري كبير مقارنة بالدول الأخرى بمنطقة اليورو. وبالتالي، من المتوقع أن يتراجع الإسترليني بنسبة أقل مقارنة بالعملات الأخرى مثل الفرنك السويسري واليورو بسبب تأثره بفيروس كورونا.
- قد يشهد الإسترليني حالة تقلبات عنيفة في حالة تصاعد وتيرة المخاوف بشأن الموجة الثانية. ولأنه من الصعوبة بمكان التنبؤ “بشكل مؤكد” بمسار فيروس كورونا، لا أحد لديه إجابة مؤكدة يمكن التسليم بها. لكن عند النظر إلى التأثير المنعكس على أسواق العملات الأخرى، فمن المتوقع أن يتفاعل الإسترليني بنفس ذات الطريقة.
- عند النظر في العوامل الأخرى التي أثرت على الإسترليني خلال الفترة الماضية، من المتوقع أن يتعرض الإسترليني لحركة تقلبات ثم استقرار لتبدأ بعد ذلك مرحلة الصعود.
ولابد من التأكيد على أن فيروس كورونا حدث فريد، لا يمكن مقارنته بأي حدث أخر شهدته الأسواق من قبل، ما يجعل من الصعب التنبؤ بما سيحدث للإسترليني خلال الأيام أو الأشهر القليلة المقبلة.
حركة الإسترليني أمام العملات الأخرى
لا يوجد سبب “مؤكد” يرجح احتمال تراجع الإسترليني بسبب تطبيق إجراءات الاغلاق الشامل، لا سيما عند مقارنته بالعملات الرئيسية الأخرى.
الإسترليني/اليورو
شهد الإسترليني تراجعا أمام اليورو خلال الفترة الماضية وحتى الآن. حيث استفاد اليورو من بعض التطورات الراهنة وأصبح أقوى خلال تلك الأزمة؛ مستفيدا من تصاعد الآمال بشأن خطة التحفيز المالي. مع العلم أن ارتفاع اليورو أمام الإسترليني لم يكن مستغربا، إلا أن هذا الارتفاع عرضه لحركة تقلبات السوق.
الإسترليني/الدولار
تراجع الإسترليني أمام الدولار، حيث اتجهت الأنظار صوب الدولار الأمريكي باعتباره عملة ملاذ آمن.
الإسترليني/دولار الأسترالي
منذ استفتاء الاتحاد الأوروبي، ارتفع الدولار الأسترالي أمام الإسترليني، وقد يكون ذلك بسبب ارتباط استراليا الوثيق بالصين.
إليك آراء بعض المحللين البارزين حول تداعيات القيود المفروضة لمواجهة الموجة الثانية على الإسترليني
يتوقع العديد من الاقتصاديين أن يستمر الاغلاق الشامل لمدة أسبوعين على الأقل. ما يعني أن الاقتصاد البريطاني سوف يواجه ضربة قاسمة. ويتوقع بول ديل، الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس، بأن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بنحو 5٪، ومن المحتمل أن يتأخر تعافي الاقتصاد البريطاني لمدة عام آخر على الأقل إذا استمر الاغلاق الشامل لمدة 14 يومًا.
من جانبه، كشف اللورد ديفيد ويليتس، بأن سيناريو ارتفاع معدل البطالة، ربما هو الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. بحسب قوله؛ سيكون من الصعب على الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم خلال الموجة الثانية لفيروس كورونا العثور على وظائف أخرى.
كما يوافق أندرو بيلي، ما ذهب إليه محافظ بنك إنجلترا، على أن الموجة الثانية من الوباء الحالي سوف تكون نذير خراب على الاقتصاد البريطاني وقد يطول تأثيرها لفترة أطول مما هو متوقع.
وسوف ينتهي جدول اجازة الموظفين التي تم تقديمه خلال الموجة الأولى من تفشي الوباء، بحلول نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2020. مع انتهاء هذا التحفيز، من المتوقع أن ترتفع مستويات البطالة، مع العلم أن أي حزمة تحفيز إضافية أخرى؛ من غير المرجح أن تكون بنفس أهمية الحزمة المنتهية.
التأثير الحقيقي يمكن في احتمال انهيار الشركات
أيضا، الشركات التي استطاعت الصمود والتصدي للتيار، من المتوقع أن تواجه مشاكل تتمثل في قدرتها على منح رواتب الموظفين، ما يعني استقطاع تلك الرواتب من الأرباح. وبالتالي، من المحتمل أن ترتفع معدلات البطالة لأنه من غير المرجح أن يتم ضخ استثمارات جديدة.
وفي استطلاع رأي أجرى على نحو 59% من الأشخاص الذين حصلوا على اجازة خلال الموجة الأولى من الوباء، أفادوا بأن لديهم مخاوف بشأن حقيقة استمرارهم في وظائفهم فور انتهاء فترة الاجازة في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2020.
لا شك أن إجراءات الاغلاق الشامل المفروضة للتصدي للموجة الثانية لفيروس كورونا، كان لها تأثير سلبي كبير على المملكة المتحدة بشكل عام والإسترليني بشكل خاص. حيث تراجع الاقتصاد وهبط الإسترليني أمام العملات الرئيسية الأخرى. على سبيل المثال، انخفض الإسترليني بنحو ثلث نقطة مئوية أمام الدولار خلال جلسة تداول يوم الثلاثاء، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2020.
لكن الأمر ليس بتلك القتامة، إذ يمكننا القول بأن تراجع الإسترليني أمام اليورو كان “طفيفا” نوعا ما. وقد يكمن ذلك بسبب تجدد آمال التوصل إلى اتفاق بشأن “البريكست” والاتفاقية التي من المقرر أن تبرمها حكومة بوريس جونسون في بروكسل.
والآن، تتجه أنظار المتداولين صوب الدولار باعتباره ملاذا آمنا؛ لا سيما في ظل حالة التشاؤم التي تسيطر على النظرة المستقبلية لأوروبا مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية. ويدلل على ذلك، تقارير منظمة الصحة العالمية التي أفادت بأن معدل الوفيات نتيجة فيروس كورونا في أوروبا ارتفع بنحو 40% خلال أسبوع واحد فقط.
أيضا، تراجع مؤشر FTSE 100 في لندن بنحو 2.64٪ مع تزايد انتشار تلك الأخبار وهبط مؤشر DAX بنحو 3.0٪. ولم تختف فرنسا عن المشهد، حيث سجل مؤشر البورصة الفرنسية تراجعا بنحو 3.86، متأثرا سلبا بتزايد المخاوف بشأن ارتفاع وتيرة انتشار الموجة الثانية لفيروس كورونا. وبشكل عام، تراجعت الأسهم في جميع أنحاء أوروبا بنحو 6٪.
في المقابل، سجل الغرب الأوسط بالولايات المتحدة ارتفاعا طفيفا في معدل الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، وهو ما قد يفسر سبب ارتفاع الدولار أمام العملات الرئيسية؛ لا سميا العملات الأوروبية مثل اليورو والإسترليني.
مجددا، لا يمكن التسليم بأن الصورة “قاتمة” أو أن الوضع غاية في السوء. فالأسواق بطبيعة الحال شديدة التقلب، لا سميا وأن هناك العديد من الأحداث الرئيسية المقبلة التي قد تقلب مسار السوق رأسا على عقب. منها على سبيل المثال؛ تصريح شركة فايزر بأنها توصلت إلى لقاح لعلاج فيروس كورونا، وأنها بصدد إنتاج نحو 40 مليون جرعة وتوزيعها داخل المملكة المتحدة في غضون شهرين أو نحو ذلك. تصريح مثل هذا –حال تحققه- قد يكون ترياق حياة للإسترليني وسوف يساعد على تعافي الإسترليني بوتيرة أسرع مما هو متوقع.
أيضا، أعلنت جامعة أكسفورد وشركة أسترازينيكا بأنهما يعملان سويا على لقاح من المتحمل أن يتاح في الأسواق بحلول كانون الثاني/ديسمبر المقبل. تلك المبشرات، تعني أن تراجع الإسترليني ليس أمرا “حتميا”.